سورة النساء - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


{إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (18)} [النساء: 4/ 17- 18].
التوبة فرض على جميع المؤمنين بإجماع الأمة لقوله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 24- 31] وذلك بأن يدرك المؤمن المذنب قبح فعله السابق، ويندم ندما حقيقيا مصمما، على ألا يعود إلى الذنب أبدا.
وقبول التوبة والمغفرة أوجبه اللّه على نفسه تفضلا ورحمة وبيانا لصدق إنجاز الوعد، ولسابق وعد اللّه الكريم في قوله سبحانه: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: 6/ 54]. واللّه الذي أوجب قبول التوبة على نفسه عليم بخلقه، لأن النفس الإنسانية قد تشذ ويغويها الشيطان، فتقع في المعصية، فلولا باب التوبة ليئس الناس وضاقت بهم الدنيا، وظلوا على حالهم.
وقال قتادة: اجتمع أصحاب النبي صلّى اللّه عليه وسلّم على أن كل معصية، فهي بجهالة، عمدا كانت أو جهلا وخطأ.
وأحسن أوقات التوبة: أن يبادر الإنسان المخطئ إلى الإقرار بها من قريب، أي بعد وقوع الخطيئة مباشرة وبسرعة، حتى لا يفوت الأوان، وتتراكم السيئات، أي المعاصي. ويظل باب التوبة مفتوحا إلى ما قبيل مجيء وقت الموت أو الاحتضار، فمدة الحياة كلها وقت قريب، لما رواه أحمد والترمذي عن بشير بن كعب والحسن أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إن اللّه تعالى يقبل توبة العبد، ما لم يغرغر ويغلب على عقله».
وذلك لأن الرجاء فيه باق، ويحتاج الأمر إلى وقت يصح منه الندم والعزم على ترك الفعل، حتى يظهر دور الإنسان الاختياري والإرادة البشرية، فإذا غلب الإنسان على عقله، تعذرت التوبة لعدم توافر الندم والعزم على الترك. واللّه عليم بمن يتوب، وييسره هو للتوبة، حكيم فيما ينفذه من الأمر والقبول، وفي تأخير من يؤخّر عن التوبة حتى يهلك ويموت.
وأما توبة اليأس فغير مقبولة، مثل أولئك الذين يواظبون على اقتراف المعاصي، ويستمرون في غيهم وضلالهم حتى إذا أدركهم الموت وساعته، تابوا عند العجز عن المعصية، والخوف من العقاب، وذلك مثل توبة فرعون حينما حضره الموت، وأدركه الغرق، وصار في غمرة الماء، وفي حيّز اليأس، فلم ينفعه ما أظهر من الإيمان.
ولا يقبل اللّه توبة الذين يموتون وهم كفار، ولا توبة من يؤجل التوبة حتى تحضره الوفاة، لأنها تكون حينئذ قسرية، والأعمال المقبولة لا تكون إلا عند التكليف والاختيار، وأولئك الذين يرجئون التوبة ويؤخرونها عن وقتها المناسب هيأ اللّه لهم عذابا مؤلما ومذلا في الآخرة، لأنهم أصروا على أخطائهم، واستعبدهم الشيطان إلى الموت.
معاملة النساء:
من المعلوم أن المرأة نصف المجتمع، وهي في حكم اللّه وتقديره تشارك الرجل في تحمل أعباء الحياة، وتعاونه في تحقيق المهام والمعايش، ولقد أنصف الإسلام المرأة وكرمها ورفع مكانتها، وأنزلها منزلة لائقة بها، تتفق مع فطرتها ومهماتها، لأنها شريكة في الحياة، وهي إنسان حي له كرامة وشخصية، وأعطاها من الحقوق المناسبة لطبيعتها وتركيبها وإمكاناتها النفسية والبدنية.
وكانت المرأة في الجاهلية وفي عصور الرومان واليونان تعد من قبيل المتاع، وكان أقارب الزوج المتوفى عند العرب يستولون عليها كرها عنها. روى البخاري أنه كان إذا مات الرجل منهم، كان أولياؤه أحق بامرأته: إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاؤوا زوجوها، وإن شاؤوا لم يزوجوها، أي منعوها الزواج، فهم أحق بها من أهلها، فنزلت الآية الآتية. وكان من عادات العرب في الجاهلية أيضا إذا أرادوا فراق امرأة، رموها بفاحشة، حتى تخاف وتشتري نفسها منه بالمهر الذي دفعه إليها، فنزلت آية أخرى. قال اللّه تعالى:


{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (19) وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (21)} [النساء: 4/ 19- 21].
يخاطب اللّه المؤمنين بصفة الإيمان الباعثة على الالتزام والطاعة، فيذكر أنه لا يليق بكم أن تعاملوا المرأة كالمتاع، فتستولون عليها وترثونها وهي كارهة، ولا يحل لكم أن تضيقوا عليهن وتضاروهن، حتى يضطررن إلى الافتداء بالمال أو التنازل عن الصداق (المهر).
قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في حجة الوداع فيما رواه الترمذي وغيره: «استوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عوان عندكم، أخذتموهن بأمانة اللّه، واستحللتم فروجهن بكلمة اللّه».
أي بعقد الزواج المشروع. لكن ارتكاب الفاحشة أي الزنى مسقط لحق المرأة في المهر. وعليكم أيها المؤمنون وبخاصة الشباب أن تعاشروا نساءكم وتخالطوهن بالمعروف بما تألفه الطباع السليمة، ولا ينكره الشرع والعقل والعرف، من غير تضييق في النفقة ولا إسراف، وكلمة (المعاشرة) تقتضي المشاركة والمساواة، أي كل واحد يعاشر صديقه من جانبه بالمعروف، معرضا عن الهفوات، جالبا السرور، حافظا الود، معينا على الشدائد، قال تعالى: {وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)} [الروم: 30/ 21].
فإن كرهتم النساء لعيب خلقي أو قبح أو تقصير في أمر أو مرض أو لأسباب أخرى فربما كرهتم شيئا، وفيه الخير الكثير لكم. قال السّدي: الخير الكثير في المرأة: الولد. أي أن الصبر في معاملة النساء أمر مطلوب شرعا لأن الكمال لله، وقد تنجب هذه المرأة أولادا نجباء، وقد يكون لها مزايا وخصال أخرى تغطي الخصال المذمومة، لذا قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فيما أخرجه مسلم عن أبي هريرة: «لا يفرك مؤمن مؤمنة- أي لا يبغضها- إن ساءه منها خلق، سرّه منها خلق آخر».
وإذا أردتم أيها الزوجان الفراق- وهو أبغض الحلال إلى اللّه- وكان بينكما نشوز وإعراض وسوء عشرة، فلا يجوز أخذ شيء من مهر المرأة، ولو بلغ قنطارا من الذهب، وكيف تأخذونه بهتانا (كذبا) وأخذه إثم واضح وذنب كبير؟ وكيف تأخذونه بعد إبرام العقد الخطير وهو الميثاق الغليظ، وبعد مكاشفة الأسرار، وحدوث الاختلاط والمباشرة، إن هذا أمر مستنكر شرعا لا يليق بمؤمن.
خطب عمر بن الخطاب فقال: ألا لا تغالوا بمهور نسائكم، فإن الرجل يغالي حتى يكون ذلك في قلبه عداوة للمرأة، يقول: تجشمت إليك أي تحملت الشدائد، فكلمته امرأة من وراء الناس، كيف هذا؟ واللّه تعالى يقول: {وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً} فأطرق عمر ثم قال: كل الناس أفقه منك يا عمر امرأة أصابت، ورجل أخطأ واللّه المستعان، وترك الإنكار.
محارم النساء:
راعى الإسلام ما تستوجبه رابطة الدم من حرمة وتعظيم، فحرم الزواج على الرجال ببعض الأقارب القريبين جدا، وفي ذلك رفع للحرج، وجعل العيش في بيئة الأسرة الواحدة أمرا ميسورا لا حرج فيه، علما بأن بعض قبائل العرب قد اعتادوا أن يخلف الرجل على امرأة أبيه، فإذا توفي الرجل عن امرأته، كان ابنه أحق بها، يتزوجها إن شاء إن لم تكن أمه، أو يزوجها من شاء. ووجدت أمثلة فعلية لبعض الرجال الذين تزوجوا من زوجات الآباء، لا داعي لذكر أسمائهم هنا، وكان في العرب من تزوج ابنته، وهو حاجب بن زرارة، تمجّس وفعل هذه الفعلة. فنهى اللّه المؤمنين عما كان عليه آباؤهم من هذه السير والمثالب المستنكرة.
قال ابن عباس: كان أهل الجاهلية يحرّمون ما يحرم إلا امرأة الأب، والجمع بين الأختين، فنزلت هاتان الآيتان: قال اللّه تعالى:


{وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً (22) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (23)} [النساء: 4/ 22- 23].
سمى اللّه تعالى الزواج بامرأة الأب نكاح المقت، أي الكراهية والاحتقار لأنه نكاح ذو مقت يلحق فاعله، وكانت العرب تسمي الولد الذي يجيء من زوجة الوالد: المقتي. لذا قال اللّه تعالى بعد ذكره: {وَساءَ سَبِيلًا} أي بئس الطريق والمنهج لمن يسلكه، إذ عاقبته إلى عذاب اللّه. فلا يحل الزواج في الإسلام بزوجة الأب، روى ابن جرير الطبري: كل امرأة تزوجها أبوك، دخل بها أو لم يدخل بها فهي حرام. وكما يحرم الزواج بامرأة الأب، يحرم أيضا الزواج بامرأة الجد، وفاعل ذلك يستحق العقاب لنكاحه ما نكح الآباء أو الأجداد، إلا ما مضى في الجاهلية، فهو معفو عنه. إن هذا الزواج كان فاحشة يأباه العقل، ويمقته الشرع، وبئس ذلك الطريق في العرف، ثم أبان اللّه تعالى تحريم النساء من جهات ست، وتلك هي أنواع المحرمات:
1- نكاح الأصول: فقد حرم اللّه نكاح الأمهات والجدات.
2- ونكاح الفروع: فقد حرم اللّه زواج البنات: بنات الصلب وبنات الأبناء.
3- ونكاح الحواشي: فقد حرم اللّه نكاح الأخت، سواء كانت شقيقة أو لأب أو لأم، وحرم اللّه نكاح العمات والخالات القريبة والبعيدة، كعمة الأب، وخالة الأم.
4- والتحريم بسبب الرضاع: يحرم من الرضاع ما يحرم بالنسب، فالأمهات المرضعات، والأخوات من الرضاعة يحرم التزوج بهن، فإذا رضع طفل من امرأة، فهي أمّه تحرم عليه، وزوجها أبوه، وأولادها إخوته، وأقاربها أقاربه.
5- التحريم بسبب المصاهرة: تحرم أم الزوجة التي تم الدخول بها أو العقد عليها، والجدة كالأم، وتحريم ابنة الزوجة من غيرك، وهي الربيبة بشرط الدخول بأمها، ويحرم أيضا أولاد أولادها، فإن لم يحدث دخول بها، لا يحرم عليه بناتها، وزوجة الابن وزوجة ابن الابن تحرم على الأب والجد بمجرد العقد عليها. قال اللّه تعالى: {وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} أما الابن المتبنّى ممن ليس للصلب فلا تحرم زوجته على من تبناه.
6- ما يحرم بسبب عارض: يحرم مؤقتا الجمع بين الأختين أو بين المرأة وقريباتها المحارم كالمرأة وعمتها وخالتها، وتظل الحرمة قائمة ما دام الزواج قائما بالأخت فعلا أو في العدة، وعفا اللّه عما سلف، فلا مؤاخذة على من تزوج في الجاهلية بأختين أو بأخت وعمتها أو خالتها.
هذه هي المحرّمات من النساء أوضحها القرآن الكريم، فيجب على من أراد الزواج تجري الأمر بين النساء، حتى لا يقع في زواج حرام، وخاصة التحريم من جهة الرضاع.
حلائل النساء بشرط المهر:
أحل الإسلام الزواج بكل امرأة ليست من المحرمات بسبب النسب أو الرضاع أو المصاهرة أو بسبب عارض كأخت الزوجة وعمتها وخالتها، ولو كانت في العدة.
قال اللّه تعالى:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8